النخيل
النخيل
نخيل التمر date palm الذي يسمى أيضاً «شجرة العرب وشجرة الحياة في المناطق القاحلة» يعدّ من أقدم الأشجار المثمرة في العالم، مستديم الخضرة وطويل العمر، والعرب من الشعوب التي بينها وبين النخيل والتمر علاقة حميمة منذ قديم الزمن ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالحضارتين العربية والإسلامية وتراثهما، ليس لأن أراضيهم هي من أنسب الأراضي لزراعته، بل أيضاً لكثرة ذكره في القرآن الكريم والحديث الشريف، وللفوائد العديدة لثماره، إذْ يعدّ وجبة كاملة تضم ما يحتاج إليه جسم الإنسان من عناصر مختلفة. فقد ورد ذكر النخيل في ست وعشرين آية قرآنية موزعة على ست عشرة سورة، منها قوله تعالى: ]وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِين[(الأنعام 141)، والآيات الكريمة كثيرة في هذا الشأن تصف ثمرات النخيل بالرزق الحسن، كما جاء ذكره في الأحاديث النبوية مثبتاً أيضاً أهميته الغذائية وفوائده الطبية في حياة الإنسان، فهو غذاء ودواء، وقد قال رسول اللهr: «من تصبّح بسبع تمرات عجوة لا يصيبه في هذا اليوم سُمّ ولا سحر»، كما كان يحض على الإفطار في شهر رمضان بالتمر، وشبَّه النخلة بالمؤمن في شموخه وعلو همته وصلابته في الحق وخيره وعطائه الذي لا ينقطع طوال العام.
اختلفـت الآراء فـي موطنـه الأصلـي، يقـول العالـم الإيطالـي أوداردو بكـاري Odardo Becari إن موطن النخيل هو الخليج العربي، ولا ينتعش نموه إلاّ في المناطق شبه الاستوائية حيث تندر الأمطار، وتتطلب جذوره وفرة الرطوبة، ويقاوم الملوحة إلى حد كبير، وتتوافر مثل هذه البيئة في غربي الهند وجنوبي إيران ولاسيما على سواحل الخليج العربي. ويشير العالم الفرنسي دي كاندول De Candol إلى أن النخيل نشأ منذ عصور ما قبل التاريخ في المنطقة شبه الحارة والجافة الواقعة بين خطي العرض 15ـ30 ْ شمال خط الاستواء، ومنها انتشر إلى الهند والشرق الأقصى حتى بلاد الصين، وغيرها.
حُظيت هذه الشجرة عبر قرون متعددة بأهمية كبرى، وتدل على ذلك الآثار التي تركتها أمم خلت على جدران المعابد والمقابر وفي صحائف وكتب كثيرة، فقد احتلت هذه الشجرة مكاناً مرموقاً في قائمة النباتات التزيينية المستخدمة في تنسيق الحدائق المصرية القديمة، وعرف المصريون القدماء طريقتي حفظ ثمارها مدة طويلة: تجفيفياً، أو في كتلة منها مضغوطة في أكياس من جلود الماعز والأرانب البرية، وتوجد في معابدهم صور ورسوم لتلقيح النخيل، وفي مدينة «ماري» القديمة الواقعة على بعد 13 كم غرب البوكمال في سورية كانت شجرة النخيل من الأشجار المزروعة بكثرة في النصف الأول من الألف الثالث قبل الميلاد. وقد ترك العموريون سكان هذه المدينة وما حولها آثاراً فنية كثيرة تدل عليها.
طوَّر البابليون غرس النخيل على ضفاف الفرات قبل الميلاد بنحو خمسة آلاف عام، ووصفوا نحو عشرين صنفاً بفوائدها المفضلة، إذ كان التمر يتصف بما لا يقل عن نحو 365 فائدة لديهم، ومنها مثلاً استخدام التمر على شكل لبخة لعلاج الرضوض والأورام والدمامل والقروح، وتؤكد الأهمية العظيمة للنخيل ما ورد في شريعة حمورابي التي نصّت على حمايته وتحديد طرائق غرسه وتلقيحه. كذلك اهتم الفينيقيون بنخيل البلح حتى وصل إلى فينيقيا وسورية وجنوبي البحر المتوسط، ولهذا سمي جنسه بالاسم العلمي phenix، كما كانت شجرته مقدسة لدى التدمريين في تدمر قبل الميلاد بعقود عدة من الزمن، وتؤكد أهميتها كلمة تدمر، فهي تحريف لـ (تاد ـ مور) أي بلد النخيل.
ذُكر النخيل في التوراة والإنجيل، وفي الطب القديم مادة طبية مهمة، وفي الأدب العربي أُعجب الشعراء والكتاب بجمال شجرته وروعتها ومنها بيت للمعري:
كُنْ كالنخيلِ عنِ الأحقادِ مرتَفِعاً يُرمى بحجرٍ فيعطي يافعَ الثمرِ
وقوله:
شربنا ماءَ دجلةَ خيرَ ماءٍ وزرْنا أشْرَفَ الشجرِ النخيلا
وتغنّى العرب في أشعارهم بالنخيل كثيراً وعدّوه أمير الحقول وطعام الغني والفقير، وزاد المسافر والمغترب.
وقد ثبت أن مدينة أريدو التي تقع على مسافة نحو 19 كم جنوبي آرر تعدّ من مدن ما قبل الطوفان، ومنطقة رئيسية لزراعة النخيل، وتدل النقوش السومرية التي وجدت في جنوبي العراق والخليج على انتشار النخيل في تلك المناطق منذ قديم الزمن. ووجد في القطع الطينية الأثرية في بلاد ما بين النهرين منذ أكثر من 3000 سنة قبل الميلاد ما يشير إلى عملية التلقيح، وأدركوا أن النخل ذكر وأنثى، فسّموا الذكر فحلاً والأنثى نخلة، كما عُثر في العراق على لوحة أثرية مسجّل عليها طريقة التلقيح الصنعي.
الأهمية الاقتصادية والبيئية
يقدر عدد أشجار النخيل في العالم بنحو 105 ملايين نخلة تنتشر على مساحة نحو 800 ألف هكتار، منها 62.5 مليون نخلة في الوطن العربي أي نحو ثلثي عدد أشجار النخيل في العالم، يعتمد اقتصاد دول الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا اعتماداً أساسياً على إنتاج التمر. كما يزرع بكثرة أيضاً في جنوبي إفريقيا وشرقيها، وجنوبي أمريكا ووسطها، وفي إسبانيا وإيطاليا. وتعدّ العراق من أهم البلاد المنتجة للتمور وتمثل المساحة المغطاة فيها نحو 37% من المساحة العالمية العامة عام 1985.
تُعدّ النخلة ملكة أشجار الزينة، بل ملكة المملكة النباتية، وتصدر الدول العربية نحو 87% من الإنتاج العالمي من التمور، ويشغل العراق الترتيب الأول (نحو 26% من إنتاج الوطن العربي) بين البلدان المصدّرة.
عدد الأشجار | ||||
المنطقة | المساحة (هكتار) | الإجمالي | المثمر منها | الإنتاج (طن) |
تدمر | 700 | 123000 | 60000 | 2200 |
دير الزور | 263 | 75000 | 43000 | 1650 |
بقية المناطق | 7 | 11000 | 2000 | 150 |
الإجمالي | 1000 | 209000 | 105000 | 4000 |
الجدول (1) انتشار زراعة النخيل في سورية عام 2004 |
وفي سورية تنتشر زراعة النخيل اليوم في تدمر ودير الزور والميادين والبوكمال وتستحق التوسع ولاسيما في مناطق شرق نهر الفرات وغربه ـ وجنوبي تدمر وغربيها ـ والمنطقة الساحلية (الجدول 1).
وتعمل الجهة المختصة في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي في سورية على حصر سلالات النخيل البذرية الأصل في المحافظات المختلفة وتوصيفها وتصنيفها ولاسيما في تدمر لاصطفاء الجيد منها إنتاجاً ونوعية وتسميتها بأسماء محلية لتصير أصنافاً سورية، إضافة إلى تطوير مختبر الإكثار بزراعة النسج علمياً وتقنياً في حلب.
تُستخدم أشجار النخيل مصدّات للرياح [ر] لحماية الحمضيات من أثر الصقيع والرياح الشديدة وغيرها من الزراعات التحميلية الخضرية والثمرية، إضافة إلى فوائدها البيئية والنفسية والحيوية، وفي حماية الترب من الانجراف وتشكيل واحات على الكثبات الرملية الجافة في الصحاري.
وتجدر الإشارة إلى ضرورة المباشرة على امتداد الوطن العربي بتنفيذ خطط علمية مدروسة لتبقى شجرة النخيل موطنّة في موطنها الأصلي، وفي ذاكرة أبنائها ووعيهم لأهميتها البيئية والاقتصادية.
القيمة الغذائية والصحية
الشكل (1) نخلة ذات قطر ثابت |
أثبتت أحدث التحاليل الكيمياوية الغذائية أن حبوب لقاح نخيل البلح تدخل في تركيبها مكونات متعددة مثل: سكر القصب وبروتينات الكلسيوم والفسفور والحديد وڤيتامين C وڤيتامين B والروثين والإيسترون estrone والهرمونات المنشطة للجنس gonadotropin وغيرها.
حبوب اللقاح مقوية للجسم والجنس عموماً وللشعيرات الدموية، تمنع النزيف الدموي الداخلي، وتعدّ علاجاً ناجحاً للعقم عند الرجال والنساء، ولالتهاب المرارة، كما تمنع العطش والإسهال والحميّات وتقوي المعدة وتهدئ الأعصاب وتفيد في علاج الكلى والمثانة وعسر البول والعشى الليلي وفي شد المفاصل الرخوة وتقوية القلب.
ويمكن طبخ الجمارة (وهي الجزء الغض الأبيض الحلو المذاق في قلب جذع النخلة) بالطريقة التي يعدّ بها الفطر والكمأة، أو تخليلها، أو أن تؤكل مباشرة.
وفيما يتعلق بثمار التمور فهي تحتوي على مكونات مغذية ومفيدة، ولاسيما بعد أداء التمرينات العنيفة جسميا،ً كما تبين أنها تفيد كثيراً في علاج البلاميرا وفقر الدم (الأنيميا)، وتساعد على إشاعة الهدوء النفسي.
تُعد ثمار البلح من أغنى الفواكه بالسكريات الطبيعية وأرخصها، إذ تبلغ نسبة السكريات فيها (الفركتوز fructose والغلوكوز glucose) نحو ء8.70% وهي سهلة التمثيل في الجسم، وتحتل الثمار المكانة الأولى بقيمتها الحرورية، تؤكل طازجة وجافة، ويعتمد عليها في الجزيرة العربية مادة غذائية أساسية، ونادراً ما يخلو منزل منها إلى جانب الدقيق والحليب. تصل قيمتها الحرورية إلى نحو 3400 كيلو كالوري/كغ (سعرة حرورية)، تدخل في تركيبها أيضاً المكونات الآتية (من الوزن الرطب):
ماء: 13ـ 26%، مادة جافة: 86.2%، بروتين: 6.2 ـ 9.1%، دهون: 2.5%، رماد: 1.9%.
لُقّب التمر «بالمنجم» لغناه بالمعادن، إذ تمدّ 100 غ من التمر/ يوم كامل احتياجات الجسم اليومية من كل من المغنزيوم (150 مغ)، والمنغنيز والنحاس (21 مغ) والكبريت نحو 65 مغ، ونصف احتياجه من الحديد (2 مغ) وربعه من الكلسيوم (70 مغ) والبوتاسيوم (790 مغ) إلى جانب عناصر الصوديوم نحو 9 مغ والفسفور (72 مغ) والكلوريد نحو 29 مغ والكلور نحو 3 مغ والسيلينيوم (300 مغ) وغيرها.
تحتوي التمور على ڤيتامينات A و D و E و C وهي من مضادات الأكسدة، إضافة إلى ڤيتامينات أخرى مثل B1 و B2 و B3 و B6 والبيوتين biotin المقوّي لمناعة الجسم، ومركبات فلاڤو نويدية التي تعمل محفزاً للقلب ومقوية لجدران الأوعية الدموية الشعرية، مما يفيد كثيراً في علاج حالات كثيرة عند النساء في أثناء نفاسهن، كما يمكن استخدامه علاجاً لفقر الدم لاحتوائه على الحديد والنحاس وڤيتامين B2.
وإلى جانب المكونات السابقة الذكر يعمل حمض الفوليك folic acid، وصبغة الأنثوسيانين anthocyanin في ثماره الحمراء مضادين للأكسدة، كما يعمل أيضاً مضادات للفطريات والبكتريا والڤيروسات، ولمنع الإصابة بالسرطان ولاسيما المركب 1 ـ 3 بيتاديغلوكان 1ـ 3ـ bβ- diglocane الذي ينشط جهاز المناعة والحماية من الإشعاعات الضارة المختلفة والهاتف الجوال وهو من مضادات الأكسدة المهمة، كما يمنع التمر تسوس الأسنان لاحتوائه على الفلور، ويقي من تصلب الشرايين ويخفّض نسبة الكوليسترول في الدم.
تُصنع من التمور أيضاً العصائر والمربيات و«الآيس كريم» وأطعمة الأطفال والمشروبات الروحية والشرابات العادية، كما تُصنع أوراق المناديل من جذع الشجرة وأوراقها، وبعض الآلات الزراعية والأواني من أوراق الجذع والحصر والمكانس والمراوح من خوص الأوراق، ومن ليفها الحبال والحشايا، وتستخدم نواها علفاً للإبل، وفي صناعة الأدوية.
ويعد الرطب من المواد الملينة التي تنظف القولون. تستعمل التمور في الحالة الطازجة أو معجونة أو مطحونة وفي صناعة الخمائر والمضادات الحيوية والكحول الطبي والمعجنات والحلويات المختلفة، وينتج منها شراب منعش ومقو للجسم، كما يستخدم عسل التمر (الدبس) في تركيب بعض الأدوية.
الشكل (2) المجموعتان الخضرية والجذرية
|
الشكل (3) شماريخ أنثوية وذكرية 1ـ شماريخ (بيضاء) قابلة للتلقيح 2 ـ شماريخ (خضراء) غير قابلة للتلقيح 3 ـ شماريخ ذكرية المراجع:- |
الوصف النباتي والخصائص الحيوية والتلقيح
المجموعة الخضرية: شجرة دائمة الخضرة ثنائية المسكن، أزهارها أحادية الجنس، تسمى الشجرة الذكر «الفحل» والمؤنثة «النخلة»، جذعها طويل أسطواني الشكل يندر تفرعه، مغطى بطبقة سميكة ليفية متكونة من قواعد السعف (الأوراق الريشية)، قطره ثابت لا يزداد حجماً لغياب الطبقة المولـدة (الشكل 1). يبلغ ارتفاع شجرة بعض الأنواع نحو 28م، لا تدخل الشجرة في مرحلة السبات وتستمر بنموها ما دامت تتوافر درجات الحرارة المناسبة، سعفها مركبة ريشية بطول نحو 4 م ذات عنق قصير ومشوك.
تنشأ النورات الزهرية من البراعم العرضية المتكونة في آباط السعف، تتفتح الجبابات أو الشماريخ المذكرة في فصل الربيع لتنشر طلعها الأصفر والذكي الرائحة، وهي أكثر انتفاخاً من الجبابات المؤنثة التي لا رائحة لأزهارها المتفتحة البيضاء اللون (الشكلان 2 و3).
التمرة عنبة داخلها نواة واحدة، وقد يكون غلافها جافاً في التمر أو نصف جاف في البلح العمري أو طرياً في بلح زغلول والأمهات والحياتي ودوقلة نور وغيرها.
تعليقات
إرسال تعليق